حجم الخط
التقى «دونالد» من برج الجدى
بفتاة تدعى «هيلين» من برج العذراء
في أثناء زيارته لقبور الأجداد، وكانت هي الأخرى تسلّم على أرواح من انتهت أيامهم من آباءها..
من عادة دونالد أن يتذكّر الأيام الخوالي التي قضاها مع جده عندما كان في ريعان شبابه، مع أنه لا يزال شاباً في الثلاثينات..
سلّم عليها مع أن من عادته ألا يلقي السلام على الفتيات إلا إذا أشعرنه بضرورة ذلك، حيث لا يحب أن يبدو ثقيلاً!
أما هيلين فقد كانت متأثرة جداً بجو المقابر، حيث كادت تبكي! ولأنها شاهدت رجلاً حياً، وهو دونالد، ارتعش قلبها طمأنينة، وبعثت له برسالة تخاطرية أن "تحدّث إلي وسلّم!"
شكرته على سلامه، مع أن السلام يُرَدّ عليه عادةً: "أهلاً". فقال "العفو" وكأنه فهم تماماً ما كانت تحتاج إليه من مشاعر اطمئنان..
بعد مضي أكثر من ستة أشهر على ذلك قالت له:
- أتتذكر يا دونالد كيف كنا في ذلك اليوم؟
- نعم أتذكر جيداً..
- لقد كنتُ حزينة جداً، وبطبيعتي أخاف المقابر وأرتعش من تحسس الأرواح المسجونة هناك، رغم أنها تطير من حولي، وكأنها حرة أكثر مني! لكن ما جبرني على زيارة المقبرة أنني شاهدت في الحلم رجلاً لا أعرف من هو، كان يحثّني على القدوم لأجل شيء ما..
- حسناً..
- لقد تذكرتك يا دونالد وكأنني رأيتك من قبل! هذه الحالة التي كنّا عليها أنا وأنت، حالتنا الآن تماماً! كأنني شاهدت هذا اليوم من قبل! يا إلهي! ولكن لم أكن لأتخيل أن نتعرف إلى بعضنا في مقبرة!
- ما هذا الفأل حبيبتي؟
- أه اعذرني، ولكن هذه هي الحقيقة. ماذا تقصد بالفأل؟
- لا أعرف صدقيني. ولكن الحديث عن قصتنا بالتراصف تماماً مع موضوع المقابر أمر يقلقني، ولا أحب الربط بينهما..
- أجل هذا صحيح يا عزيزي. آسفة..
وبعد مضيّ أيام اختلف الحبيبان، اختلفا بسبب الرغبة الملحة عند هيلين أن تنتقل إلى مدينة أخرى لتتابع دراستها بالقرب من معهدها، أما دونالد فلم يكن موافقاً على ذلك لأنه يريد منها أن تنتظره حتى يفاجئها بمشروع ينقلهما معاً إلى الثراء وبعده السفر، ولكنها لم تحتمل وشعرت أنه يحاول ثنيها عن تحقيق حلمها، مع أن دونالد، في علاقاته العاطفية القليلة، لم يكن يوماً منفتحاً كما هو مع هيلين!
قالت هيلين:
- ماذا دهاك يا دونالد؟ لقد تغيرت كثيراً، وأنت تخفي عني أشياء كثيرة وأنا لا أرتاح لذلك. أخاف من أن تكون متورطاً في عمل سيء!
- ما هذه الأفكار؟ صحيح أنني أخفي شيئاً ولكن إصرارك على معرفته يمنعني من أقوله..
ضحكت هيلين وقهقهت عالياً، ثم نظرت في عيني دونالد وتأملتهما، وبالمثل فعل دونالد. قالت:
- أتعرف، أنا وأنت لا يليق بنا الحب، انسى الموضوع..
قالتها كما يقولها الصديق لصديقه، حيث تخلو من التهكم والتحدي والوقاحة وكل معنى سلبي، لكنها تحتوي على مضمون أنها تحبه، لكن كصديق أضمن وأحلى وأمتع..
انفصلا ولكنهما بقيا على اتصال ودود. ولكنها بعد انفصالها عنه كانت تشعر بالغيرة عليه ولا تتحدث عن الأمر. وفي يوم من الأيام اتفقا على موعد، وعندما كانت مقبلة إليه تعرضت لحادث سير أدى إلى وفاتها..
أصاب الحزن قلب دونالد كثيراً إلى حد أنه ترك الخطة المهنية التي كان يفكر بإنجازها لوقت طويل. تجمد مكانه عندما زار قبرها. قال: هذا هو حظي، دائماً عاثر مع أنني لا أعتمد عليه، لكن لا بد أن يفاجئني ويقول لي كل مرة: "مرحباً يا دونالد، أنا حظك العاثر! هل تذكرتني؟ المهم أن تتذكرني يا حبيبي"..
وعندما كان يتمتم بذلك، وقفت على القبر حمامة بيضاء، أخذت تهدل قائلةً: نعم يا دونالد، منامي قد تحقق! الرجل الذي رأيته في المنام يحثني على زيارة المقبرة كان أنت! ومذ عرفتك كان لا بد لي أن أموت! حاولت ألا أربط بين ما رأيته والقبور، ولكن لا يريد القدر ذلك..
طارت الحمامة، واختفت في كبد السماء!
524 : تسجيلات الاعجاب | |
9,371 : مرات المشاهدة | 2016-08-20 :تاريخ أضافة القصة |